الانسحاب المفاجئ للمغاري الصاقل، الذي أشرف على جميع تفاصيل مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق منذ انطلاقته، وبغض النظر عن خلفياتها، وما إذا كانت مرتبطة باستقالة أو إعفاء، فإنه يختزل صورة عن مسار مشروع تم التسويق له في البداية بطريقة مفرطة في التفاؤل، قبل أن يتضح أن الارتهان للتمويلات الخليجية قد أفقده زخمه، ليتحول إلى رهينة تتحكم فيها تقلبات سوق العقار، وتذبذبات الاقتصاديات الخليجية التي دخلت في سياسة شد حزام و”ريجيم” مفرط، جعلها تعجل بشفط جميع الاستثمارات الخارجية، وتغلق صنبور صناديقها السيادية مع بداية الأزمة العالمية.
مشروع أبي رقراق الذي أريد له أن يمتد على مساحة 6000 هكتار، وأن يشمل ستة أشطر، منها باب البحر، أمواج، قصبة أبي رقراق، صهريج الواد، المنزه الكبير، بحيرة السهول، لا يزال شطره الأول مبعثراً، بعد أن تورطت الوكالة في التطوير العقاري الذي خرجت منه مرغمة، وبصفقة مؤلمة، فرضت توقيف الأشغال لأزيد من سنة، وإعادة النظر في عدد من التصاميم، فيما لا تزال معالم الشطر الثاني تخرج وباحتشام شديد، يؤكد أن هذا المشروع سيستغرق عقوداً، ولن يكون إطلاقاً مثل المشاريع المشابهة له بدول الخليج، والتي تنبت في ظرف شهور قليلة.
هذا التقييم قد لا يتطابق مع ما بسطه المدير السابق لوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، الذي دافع عن حصيلته في أكثر من مناسبة، وهو محق في ذلك، إذا قارنا ذلك مع حصيلة من جاءوا من بعده. غير أن الواقع يبين أن بعض التخوفات التي فرضت الحذر بعد صدمة انسحاب سما دبي المدوي قد أغرقت المشروع في الانتظارية، وهو ما ترجمه تصريح سابق للصاقل، قال فيه إن الحذر واجب حتى لا يقع المشروع في فخ الفقاعة العقارية التي ضربت بعض الدول، ومنها إسبانيا، لكن ملامح المشروع تاهت بعد ذلك.
ذات المسؤول قال إن البطء في تنزيل المشاريع له أسباب موضوعية بحكم شساعة المشروع الذي هو بحجم مدينة. غير أن كل هذه التبريرات قد تصبح غير ذات جدوى مقارنة مع “الماكيطات” البراقة التي طوقت الوادي، والتصور العملاق الذي رافق ميلاد المشروع، وهو التصور الذي انقلب من قاطرة تمهد لانطلاقة سريعة إلى عامل عرقلة في ظل تواضع الجاذبية الاستثمارية، وهو ما فرض انخراط عدد من الفاعلين الوطنيين في استثمارات بملايين الدراهم لمنح المشروع قليلاً من الأوكسجين، لعل الأمر يغري مستثمرين أجانب بالمساهمة.
هذا المشروع الذي خلق الجدل بعد أن فرض حظراً على البناء في منطقة تمتد بين الرباط وسلا، ومنع عمليات البيع والشراء، وقام بنزع ملكية مئات الهكتارات تحت غطاء منع المضاربة، يوجد الآن في قلب أزمة جعلته يعيد النظر في استراتيجيته، وبالتالي، فعوض أن تسير المشاريع المرتبطة به جنباً إلى جنب، أصبح الآن ملزماً بالاستثمار في البنيات التحتية، وتدعيمها بشبكات النقل وغيرها، والانتظار إلى أن تصبح الصور واضحة لبعض الاستثمارات، وهو ما يؤكد أن هذا المشروع سيعاصر عدة أجيال قبل أن تكتمل معالمه.
ويبقى العزاء الوحيد لسكان الرباط وسلا هو “المارينا” التي غيرت معالم المنطقة، إضافة إلى مشروع الترامواي الذي مكن الآلاف من وسيلة نقل تحترم آدميتهم. أما القنطرة الجديدة، والتي قيل إنها كلفت حوالي 120 مليار سنتيم وقدمت كتحفة هندسية، فلم تحظَ بالإجماع، فقد فشلت في تقديم بديل حقيقي وعملي للقنطرة القديمة التي لا تزال أقدامها غارقة في قعر الوادي.