تواجه المنظومة الصحية العمومية في المغرب أزمة متعددة الأبعاد تحت ضغط سياسات حكومية تتجه نحو تسليع الخدمات الصحية وتفويت العديد من مرافق القطاع للقطاع الخاص. ويثير هذا التوجه مخاوف متزايدة بشأن تحول حق المواطن الدستوري في العلاج إلى امتياز لمن يستطيع تحمل تكاليف الخدمات المتزايدة، وسط غياب إصلاحات تعزز القطاع العمومي.
ضعف جاذبية القطاع العام وخطر تسليع الخدمات الصحية
في هذا السياق، طالبت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بعقد اجتماع للجنة المالية والتنمية الاقتصادية في البرلمان بحضور احمد رضى الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لتقديم عرض حول خلاصات وتوصيات تقرير المجلس بشأن الحصيلة المرحلية لمشروع تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. وكشف عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية، في مراسلته إلى رئيسة اللجنة، عن اختلالات مالية عميقة في منظومة التأمين الصحي.
وأوضح تقرير مجلس الشامي أن اشتراكات نظام التأمين الصحي للعمال غير الأجراء تغطي 72% فقط من التعويضات، وتنخفض النسبة إلى 21% في نظام القطاع العام، مما يهدد استمرارية المشروع. كما أشار إلى أن معظم النفقات تتجه نحو القطاع الخاص، ما يبرز ضعف جاذبية القطاع العام ويثير خطر تسليع الخدمات الصحية.
دعم للقطاع الخاص وإفلاس محتمل للعام
بالموازاة مع ذلك، قالت التنسيقية الوطنية لموظفي الصحة ان التعديلات القانونية، بما في ذلك نقل موظفي الصحة إلى مجموعات صحية ترابية ذات استقلالية مالية، تنذر بإفلاس القطاع العمومي. وأكدت التنسيقية أن الحكومة تتنصل من مسؤولياتها في إدارة هذا القطاع الحيوي، مما يزيد من الاحتقان بين العاملين فيه.
من جهة أخرى، انتقدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان استمرار الدولة في دعم القطاع الخاص بشكل كبير على حساب القطاع العمومي. ورأت الجمعية أن هذا التوجه يأتي استجابة لضغوط المؤسسات المالية الدولية، التي تشجع خوصصة الخدمات الصحية وتوجيه الإمكانيات الوطنية نحو تعظيم أرباح القطاع الخاص.
تهديد العدالة الصحية واحتكار للأدوية
تزامنا مع هذا التوجه، دعت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة إلى وقف خوصصة المستشفيات العمومية وضمان استمرارها في تقديم خدماتها لجميع المواطنين. كما سلطت الضوء على ضرورة مواجهة احتكار الأدوية في السوق، خاصة مع صفقات استحواذ الشركات الكبرى مثل صفقة أنس الصفريوي، التي تهدد بتقليص فرص الوصول إلى الأدوية بأسعار معقولة.
وتشترك الهيئات الحقوقية والنقابية في دعوة الحكومة لتوجيه جهودها نحو تعزيز القطاع العمومي بدلا من تفويته للقطاع الخاص. ويؤكد مراقبون أن استمرار السياسات الحالية قد يؤدي إلى انهيار النظام الصحي العمومي، وتحويل صحة المواطنين إلى سلعة تخضع لقوانين السوق، ما يتعارض مع الدستور.