في غضون أسابيع قليلة، انضم عبد الجبار رشيدي إلى الحكومة وصعد إلى قمة أقدم حزب سياسي في المغرب.
مجلة “جون أفريك” أعدت تقريرا عن شخصية نضالية، تنحدر من مدينة طنجة، تعتبر من أقرب المساعدين لرئيس الحزب نزار بركة، حتى أنه أصبح رسميًا خليفته.
ازدواجية التقدير لمناضل قديم
في 7 دجنبر، تم انتخاب عبد الجبار رشيدي رئيسًا للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، خلفًا لشيبة ماء العينين.
يُعد ذلك فصلًا جديدًا في مسيرته، بعدما عُيّن في 23 أكتوبر كاتب دولة مكلفًا بالإدماج الاجتماعي، في إطار تعديل حكومي.
مثل العديد من الشخصيات الجديدة في الحكومة المغربية، لا تتوفر سوى تفاصيل قليلة عن سيرته الذاتية، فهو يفضل العمل في صمت.
وعند التواصل معه من قِبَل “جون أفريك”، اعتذر بأدب، مشيرًا إلى انشغالاته، مفضلًا انتظار نشر اختصاصاته في الجريدة الرسمية قبل إجراء أي مقابلات.
منذ تعيينه، لم يتوقف رشيدي عن العمل. في اليوم التالي، شارك في مراسم تسليم السلطة بين عواطف حيار ونعيمة بن يحيى، زميلته في الحزب.
وقد أمضى الأيام التالية في العمل الجاد، بين مناقشات الميزانية في البرلمان، وندوات حول الاقتصاد التضامني، وزيارة مراكز اجتماعية في أكادير برفقة والي جهة سوس ماسة، سعيد أمزازي.
بصفته عضوًا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ومفتشًا إقليميًا للحزب في الشمال، ومستشارًا جهويًا في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، تولى رشيدي مسؤولياته الجديدة بجدية كبيرة.
رجل منظم
وُصف عبد الجبار رشيدي من قِبَل زملائه بأنه رجل منظم. وأشارت مصادر داخلية إلى أنه منهجي، “هادئ ومهذب”، ويمتلك “مهارة في إدارة النزاعات”، وهي صفات ثمينة في الساحة السياسية.
وعلى عكس أولئك الذين يعتمدون على النقاشات الحادة، يتميز رشيدي بتوازنه وضبط النفس.
خارج الحزب، وصفه أحد المراقبين بأنه سياسي “يتجنب الجدل ولا يلجأ أبدًا إلى الهجمات الشخصية”. وأضاف: “كان دائمًا يعمل بعيدًا عن الأضواء”.
رفيق نزار بركة
على مدى أكثر من عقدين، ظل عبد الجبار رشيدي قريبًا من نزار بركة، رئيس حزب الاستقلال، وأصبح الآن خليفته.
تعود هذه العلاقة إلى تعاونهما الأول في مكاتب نزار بركة عندما كان مكلفًا بالشؤون الاقتصادية والعامة (2007-2012)، ثم وزيرًا للاقتصاد والمالية (2012-2013).
وعندما تولى نزار بركة رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (2013-2018)، كان رشيدي بجانبه.
وفقًا لمصدر داخل حزب الاستقلال، شهدت علاقتهما فترة برود وجيزة بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، حيث كان رشيدي، الذي شارك بفعالية في الحملة الانتخابية، يتوقع أن يتم تعيينه وزيرًا، وهو أمل لم يتحقق.
يُقال إنه انحاز لفترة وجيزة إلى جناح ولد الرشيد، الخصم الداخلي لنزار بركة. لكن رغم الإحباط، “لعب دوره في المفاوضات بين أحزاب الأغلبية في المجالس المنتخبة في الشمال، ما يدل على ولائه وعدم حقده”، بحسب مصدرنا.
التعديل الوزاري الأخير عوّض جزئيًا تلك الخيبة، “رغم أنه كان يفضل وزارة بدلاً من أمانة دولة”.
مناضل حقيقي
على عكس العديد من الوزراء الذين تم “إسقاطهم بالمظلة” مؤخرًا إلى الساحة السياسية، يُعد عبد الجبار رشيدي مناضلًا حقيقيًا.
بدأ مسيرته في قاعدة حزب الاستقلال، وتسلق المراتب حتى وصل إلى أعلى المناصب. “يمكنه إلقاء خطاب دون الاعتماد على سند ورقي، والدفاع عن الخط السياسي بكل سهولة لأنه مرّ بجميع الهيئات، من منظمة الكشافة المغربية إلى اللجنة التنفيذية”، كما وصفه أحد المقربين.
رئاسة برلمان الحزب
معرفته الدقيقة بدواليب الحزب الداخلية أهلته اليوم لترؤس أعلى سلطة تقريرية في حزب الاستقلال، والتي توصف غالبًا بأنها “برلمان الحزب”، إذ تجمع بين كونها خزانًا للأطر وساحة للصراعات.
“رئاسة المجلس الوطني لحزب الاستقلال منصب يمكن أن يتعثر فيه الآخرون بسبب الصراعات الداخلية. لكن عبد الجبار رشيدي يُتوقع أن يبرز بفضل دبلوماسيته”، وفقًا لأحد قدامى الحزب.
تأثير العربي المساري
في مسيرة عبد الجبار رشيدي، كان للعربي المساري دور مهم. هذا الزعيم السابق لحزب الاستقلال، المؤرخ والدبلوماسي (المولود في تطوان والمتوفى عام 2015)، تبنى رشيدي سياسيا في أواخر التسعينيات عندما كان وزيرًا للاتصال.
تحت إشرافه، “تعلم رشيدي اختيار كلماته وتطوير أسلوب سياسي متزن لكنه فعّال”، وفقًا لمصادر من طنجة. ولا يزال هذا الإرث الفكري “واضحًا في طريقة تعامله مع مسؤولياته”، كما تؤكد ذات المصادر.
التكوين الأكاديمي
عبد الجبار رشيدي حاصل على إجازة في القانون من جامعة محمد الخامس بالرباط عام 1994. وفي عام 1998، حصل على شهادة الدراسات المعمقة من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، حيث تناول في أطروحته موضوع “المشاركة السياسية للرأي العام”، ما فتح له أبواب العمل التنفيذي.
عمل مستشارًا للعربي المساري، عضو حكومة التناوب لعبد الرحمن اليوسفي. وفي عام 2016، حصل على دكتوراه في القانون العام من جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، حول “علاقة الدولة بالإعلام في المغرب”.
مسار مهني متنوع
شغل رشيدي عدة مناصب استراتيجية، لا سيما في وزارة الوظيفة العمومية. كما خاض تجربة في الإعلام كمراسل لإحدى القنوات السعودية.
بالتوازي، استمر في مسيرته داخل حزب الاستقلال، حيث مثل الحزب في العديد من اللقاءات الدولية.
بصفته ناطقًا باللغة الإسبانية، بنى علاقات مع عدة أحزاب سياسية إسبانية. كما حافظ على ارتباطه بالأوساط الأكاديمية، من خلال نشر مقالات والمشاركة في ندوات، مما سمح له ببناء صداقات مع قادة من أحزاب أخرى، لا سيما داخل “الكتلة الديمقراطية”.
دوره في المؤتمر الـ18
إلى جانب تكريمه الأخير، كان دوره المحوري في حل أكبر أزمة تنظيمية واجهها حزب الاستقلال خلال العقود الأخيرة لحظة فارقة في مسيرته.
إِذ كان الحزب مهددًا بالحل لعدم احترامه المواعيد القانونية لتجديد هياكله، في ظل صراعات بين جناحي بركة وولد الرشيد.
عُيّن رشيدي بالإجماع رئيسًا للجنة التحضيرية للمؤتمر الـ18 في 2 مارس، حيث نظم 83 مؤتمرًا إقليميًا لاختيار 3600 مندوب من بين 10,000 عضو نشيط.
قدرة على إدارة الأزمات
رغم ظهور اتهامات بـ”الفساد” ضده في أبريل، كجزء من محاولة للتشويش عليه، استطاع رشيدي تهدئة الأمور، وأصدر بيانًا يرفض الاتهامات، وهدد باللجوء إلى القضاء. وتم إسقاط الدعوى المقدمة ضده.
عُقد المؤتمر في بوزنيقة بين 26 و28 أبريل، وانتهى باتفاق توافقي بين جناحي بركة وولد الرشيد.
وكان اختيار عبد الجبار رشيدي كجزء من لجنة ثلاثية للتوفيق بين الجانبين، اعترافًا بموهبته كوسيط، مما عزز مكانته داخل الحزب.
(عن مجلة “جون أفريك”)