حاولت في لحظة استراحة وتأمل، القيام بتمرين أبذل فيه بعض الجهد لأساعد اللجنة التي سيوكل إليها تحديد تفاصيل ما يسمى” بالعمل المنزلي” في الأسرة المغربية التقليدية التي تشكل السواد الأعظم من المجتمع ، والذي يمكن أن تقوم به الزوجة تحديدا دون أن يكون للزوج به علاقة وليس له فيه حظ ونصيب ، وذلك قبل أي حديث عن تثمينه ،
لا أخفيكم أنني فشلت في ذلك فشلا ذريعا لما يوجد بين عمل الزوجين داخل هذه الأسر من التقاء وتكامل وتداخل :
ذكرت شؤون المطبخ فوجدت أن عمل المرأة فيه مرتبط بتهييء ما يجلبه الزوج الى هذا المطبخ كل يوم من ومأكل ومشرب وغاز وماء وكهرباء وأدوات وغيرها فكان ذلك مشتركا بين الزوجين،
ذكرت حق الفراش فوجدته مشتركا بين الزوجين لا يحصل إلا باجتماعهما،
ذكرت شؤون النظافة وترتيب البيت فوجدتها مرتبطة بتوفير هذا السكن من طرف الزوج وبما يجلبه إليه من تجهيزات وأثاث شراء وإصلاحا وأدوات نظافة وتنظيم وأحيانا أجر الخادمة ،
ذكرت رعاية الأولاد وتربيتهم والقيام على شؤونهم فوجدته لا ينفصل عن ما يجب على الزوج من ضمان سكنهم وأداء واجب تمدرسهم وتمريضهم وتوفير مأكلهم ومشربهم وكسوتهم وسفرهم وإقامتهم
فطرحت على نفسي سؤالا يقول : ما الذي بقي من أعمال الزوجة منفصلا عن أعمال الزوج حتى يتدخل القانون لتحديده وتقدير ثمنه، ويكلف نفسه إبداع آليات لتتبع إنجاز هذا العمل داخل كل أسرة وفق معايير الجودة اللازمة في إطار تعاقد مشروط بين الزوجين ،
نظرت الى الشرع فوجدت أن نفقة الأسرة زوجة وأبناء واجب على الزوج بالوسع وعدم الضرر ،
أما نفقة الزوجة على بيتها فليس إلزاميا في الشريعة الإسلامية إنما هو منها على التطوع والاختيار ،
ما سوى ذلك من النفقات التي تتضامن فيها الزوجة مع زوجها للقيام بشؤون الأسرة مما يجب عليه ولايدخل في واجباتها الشرعية وقد يكون ذلك من حر مالها أو من عملها خارج البيت ، كالاشتراك في توفير السكن مثلا او توفير أثاث البيت ، أو بذل الجهد لتوفير السيارة عند الاقتضاء للتنقل او غير ذلك فهي ملكية مشتركة على التراضي بين الزوجين ينظمها القانون بموجب عقود خاصة كما تنص على ذلك المدونة الحالية وهو ما يدخل في تدبير الأموال المشتركة عند الاقتضاء، وأي نزاع في ذلك يمكن ان يبث فيه القضاء في إطار الذمة المالية المستقلة لكل واحد من الزوجين ،
إن أي حديث عن تدخل للقانون بين الزوجين لتثمين عملهما المنزلي في رعاية شؤون الاسرة من الباب ، يعني بالضرورة خروج المودة والسكينة والتعاون والصبر وغيرها من القيم التي تقوم عليها مؤسسة الأسرة من النافذة ،
وإن أول ما سيرفع أمام هكذا محاولة من طرف أي لجنة ستستغل على التنزيل هو تحدي الفصل في هذه المهام بين الزوجين داخل البيت، ومتطلبات تدخل القانون لفك تنازع المصالح بينهما إن حصل داخله، وهو ما فشل فيه القضاء منذ مدة طويلة حتى في تحديد حالة العنف الأسري الذي يحصل أحيانا داخل البيوت والاضرار التي تصيب الطرفين منه مما رفع من نسبة طلاق الشقاق،
إن الأسرة بهذا المنطق الأجوف ستدخل عالم المقاولة التي تتطلب تدخل مفتشية الشغل بين الفينة والأخرى واستدعاء الموثق كل يوم إلى البيت لتوثيق العمل المتفق عليه بين الزوجين أداء او امتناعا ، مع تقييم جودة هذا العمل أو الاخلال بمقتضياته ،
ثم حفظ هذه التقارير في سجلات يمكن الادلاء بها أمام القضاء عند النزاع أو الاستناد إليها في تثمين هذا العمل عند الطلاق إن حصل!!! أو بعد وفاة ليدلي بها أحد أحد الزوجين أمام الورثة ،
إن أكبر تثمين لعمل المرأة والرجل داخل الأسرة في نظر الحكماء والعقلاء هو الرفع من وعي الزوجين بأهمية الأسرة وأهمية كل ما يضمن استمرارها واستقرارها وأداء وظيفتها تجاه المجتمع والأمة ، وهو ما لا يقدر بثمن، ولا تضمنه الا منظومة القيم التي تقوم عليها الأسرة من أول خطوة ،
ومن أراد أن يحول بين المرأة وزوجها بالتدخل في ” هذا الضيق ” فليس غرضه التثمين وإنما غرضه تشتيت شمل هذه الأسرة أو الحليولة دون بنائها من الأساس وهذا شأن السحرة الذين قال الله تعالى فيهم
” فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن إشتراه ما له في الآخرة من خلاق فلبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ،
صدق الله العظيم
إن القصد من تعديل المدونة حسب منطوق الرسالة الملكية السامية المؤطرة للإصلاح والتي وجهها الى رئيس الحكومة هو التقليل من الاشكالات التي تنتج عن التنزيل في أفق الحد منها ومعالجتها عوض العمل على الزيادة فيها واستفحالها ، وهو ما يبدو ان هذا الاقتراح يسير حتى الآن في عكسه ونقيضه،
وقديما قال المغاربة ” ما قدو فيل زادو فيلة