شككت مصادر مطلعة في جدوى عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي التي تُعلن عنها الشركات العاملة في المغرب، مشيرة إلى أن هذه المشاريع تحولت إلى مجرد فرص للتسويق الإعلامي دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. شركة Predator Oil & Gas ، التي أعلنت مؤخرًا عن استعدادها لحفر البئر Mou-5 في منطقة “جرسيف”، تواصل النهج ذاته الذي اتبعته شركات أخرى سابقًا، حيث يترافق الإعلان عن كل عملية استكشاف جديدة مع وعود بمكاسب اقتصادية كبيرة، لكنها غالبًا ما تنتهي دون أن تُترجم إلى اكتشافات غازية قابلة للتسويق أو مساهمة حقيقية في تأمين احتياجات البلاد من الطاقة.
تسويق إعلامي دون نتائج
تعود رحلة المغرب مع التنقيب عن الغاز الى عام 2000، حينما أعلن وزير الطاقة والمعادن آنذاك، يوسف الطاهري، عن اكتشاف احتياطي مهم من البترول في منطقة “تالسينت”، حيث قدّرت الأرقام الأولية احتياطات النفط بحوالي 100 مليون برميل. لكن سرعان ما تبين أن هذه التقديرات كانت خاطئة، ما أثار موجة من الشكوك حول مصداقية التصريحات الرسمية. منذ ذلك الحين، اختارت الدولة التراجع عن تفاعلها مع هذا الملف، بينما استمرت الشركات الأجنبية في نشر بلاغات إعلامية تعلن فيها عن “اكتشافات واعدة”، على الرغم من أن النتائج الملموسة كانت قليلة أو معدومة.
اليوم، يتكرر السيناريو نفسه، حيث تزداد التساؤلات حول جدوى عمليات التنقيب عن الغاز في المغرب، خصوصًا في ظل الشكوك المتزايدة حول مصداقية هذه الاكتشافات. فشركة “Predator Oil & Gas”، التي أعلنت مؤخرًا عن استعدادها لحفر بئر جديد في منطقة “جرسيف”، تؤكد ما تفعله العديد من الشركات الأجنبية التي تروج لآمال اقتصادية كبيرة دون أن تحقق أي نتائج فعّالة. إذ لطالما تم الإعلان عن مشاريع واعدة، ولكن غالبًا ما ينتهي الأمر بإعلانات لا تترجم إلى اكتشافات غازية قابلة للتسويق أو تحقق فوائد ملموسة على الأرض.
البئر Mou-5 بين الآمال والشكوك
أما بالنسبة للبئر Mou-5 في “جرسيف”، فقد أبدى البعض تحفظاتهم حول جدوى هذا المشروع، خاصة في ظل تجارب سابقة في آبار مثل Mou-1 وMou-2 وMou-3 التي كشفت عن وجود الغاز البيوجيني على أعماق سطحية. ورغم التأكيدات بأن هذه المنطقة ملائمة لتراكم الهيدروكربونات، يرى مختصون أن الغاز البيوجيني يعد نوعًا من الغاز الذي لا يمكن تسويقه بسهولة أو بيعه بأسعار تنافسية على الصعيد الدولي. وقال أحد الجيولوجيين المغاربة: “التكرار المستمر للإعلانات عن اكتشافات غازية واعدة في جرسيف ليس أكثر من حلقة جديدة في مسلسل لم يُنتج أي نتائج ملموسة حتى الآن. هذا المشروع يُثير شكوكًا أكبر حول جدوى هذه التنقيبات.”
الخطاب الرسمي والوعود بلا نتائج ملموسة
شهر يوليوز الماضي، أكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن المغرب قد انخرط في “رؤى استراتيجية جديدة ومقاربات مبتكرة” لضمان السيادة الطاقية، وهو موقف يلفه نوع من التفاؤل الكبير. ولكن، في التحليل العميق، لا يمكن إغفال أن العديد من هذه التصريحات تأتي في إطار خطاب رسمي بعيد عن الواقع الملموس. وتؤكد المصادر المختصة، أنه وعلى الرغم من إعلان الوزيرة عن جهود الوزارة في تعزيز السيادة الطاقية من خلال استكشاف الغاز الطبيعي وجذب الاستثمارات الأجنبية، فإن النتائج الحقيقية التي يمكن قياسها على أرض الواقع ما زالت بعيدة. فعلى الرغم من التأكيدات المتكررة على “الاستثمارات المشجعة” في مناطق مثل تندرارة والعرائش، لا توجد أدلة قوية على اكتشافات غازية قابلة للتسويق أو أي تحول ملموس في سوق الطاقة الوطني.
في المقابل، تبدو استراتيجية الوزارة في تطوير قطاع الغاز الطبيعي مسألة جيدة من الناحية النظرية، خاصة مع التركيز على تطوير البنى التحتية لتسريع سوق الغاز الطبيعي المسال. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن مثل هذه المشاريع تواجه اكراهات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتحقيق نتائج ملموسة. ففيما يتعلق بالاستكشافات السابقة مثل اكتشاف الغاز في تندرارة سنة 2016-2017، لا يزال مصير هذه الاكتشافات غامضًا، ولم تُترجم هذه الإعلانات إلى استثمارات حقيقية أو اكتشافات قابلة للتسويق على الصعيد الوطني. في نفس السياق، يبقى سؤال كبير: ما هي الجدوى الاقتصادية الحقيقية لهذه المشاريع؟ وهل يمكن للمواطن المغربي أن يشعر بتأثير حقيقي لتلك “المجهودات المبذولة”؟
التسويق الإعلامي أم أجندات سياسية؟
الحديث عن التنقيب عن الغاز في المغرب، بحسب البعض، أصبح يشكل أداة تسويقية للشركات من أجل جذب الاستثمارات الدولية، فيما يلاحظ غياب أي تحول حقيقي في قطاع الطاقة المحلي. ويعتبر العديد من المتابعين أن هذه الحملات الإعلامية تروج أكثر لنجاح الشركات في تسويق نفسها مما تحقق من فوائد فعلية للمغرب أو لقطاعه الطاقي. يقول أحد الباحثين في الشأن الطاقي:”شركات التنقيب تروج لمشاريعها في المغرب بشكل مكثف في وسائل الإعلام، لكن النتائج العملية تبقى غائبة. هذه المشاريع لم تُسهم في تحقيق أي تطور حقيقي على الأرض، بل هي أداة تسويقية للشركات أكثر من كونها مصدرًا حقيقيًا للطاقة.”
ماذا بعد؟
يظل المواطن المغربي يترقب نتائج حقيقية لهذه المشاريع التي طال الحديث عنها دون أن تتغير الصورة على أرض الواقع. وتُثار تساؤلات كثيرة حول مصير هذا القطاع الذي لا يزال بعيدًا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي أو تأمين طاقة مستدامة للمغرب. مع كل إعلان جديد عن عمليات حفر واعدة، تزداد المطالب بضرورة الشفافية وتحقيق نتائج ملموسة تضمن استفادة المواطنين والمساهمة الفعلية في تحقيق الأمن الطاقي.